خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز “مفهوم الأشهر الحرم”
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “مفهوم الأشهر الحرم” ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 3 رجب 1443هـ، الموافق 4 فبراير 2022م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 4 فبراير 2022م بعنوان : “”مفهوم الأشهر الحرم” .
أولًا: الأشهرُ الحرمُ.. أيامٌ مُعظّمةٌ وثوابٌ مضاعفٌ.
ثانيــــًا :واجبُنَا في الأشهرِ الحرمِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 4 فبراير 2022م بعنوان : “مفهوم الأشهر الحرم” : كما يلي:
خطبةُ الجُمعةِ القادمةِ: مفهومُ الأشهرِ الحرمِ د. محمد حرز
بتاريخ: 3رجب 1443هــ – 4فبراير 2022م
الحمدُ للهِ مُدبرِ الليالي والأيامِ، ومصرفِ الشهورِ والأعوامِ، الملكِ القدوسِ السلامِ، المتفردِ بالعظمةِ والبقاءِ والدوامِ، المنزهِ عن النقائصِ ومشابهةِ الأنامِ، يرى ما في داخلِ العروقِ وبواطنِ العظامِ، ويسمعُ خفيَّ الصوتِ ولطيفَ الكلامِ، إلهٍ رحيمٍ كثيرِ الإنعامِ، اختصَّ بعضَ الشهورِ بمزيدٍ من التقديسِ والإعظامِ، أحمدُهُ على جليلِ الصفاتِ وجميلِ الإنعامِ، وأشكرُهُ شكرَ مَن طلبَ المزيدَ ورام، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الذي لا تحيطُ بهِ العقولُ والأوهامُ، القائلُ في محكمِ التنزيلِ:﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾(البقرة: 194) ،وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ القائلُ كما في الصحيحينِ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ رضى اللهُ عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» (متفقٌ عليه) ،فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّهَا الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِفَالتَّقْوَى أَسَاسُ الفَلاحِ وَمِفْتَاحُ النَّجَاحِ، قال جلَّ وعلا{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }سورة أل عمران :102 ) عبادَ اللهِ :(( مفهومُ الأشهرِ الحرمِ))عنوانُ وزارتنِا وعنوانُ خطبتِنا .
عناصرُاللقاءِ :
أولًا: الأشهرُ الحرمُ.. أيامٌ مُعظّمةٌ وثوابٌ مضاعفٌ.
ثانيــــًا :واجبُنَا في الأشهرِ الحرمِ.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودة ِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن مفهومِ الأشهرِ الحرمِ وخاصةً ونحن في شهرِ رجبٍ وهو من الأشهرِ الحرمِ وخاصةً ونحن جميعًا في حاجةٍ إلى العودةِ إلى علَّامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ قبلَ فواتِ الأوانِ وخاصةً والأيامُ تمرُّ سريعًا والأعمارُ تنتهي والناسُ في غفلةٍ والناسُ معرضُون ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ.
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها *** فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولاً: الأشهرُ الحرمُ.. أيامٌ مُعظّمةٌ وثوابٌ مضاعفٌ
أيُّهَا السادةُ: اختصَّ اللهُ جلَّ وعلَا الأمةَ المحمديةَ بخصائصَ عديدةٍ وكثيرةٍ وفضّلَهَا على سائرِ الأممِ، بأنْ جعلَهَا خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للناسِ تأمرُ بالمعروفِ وتنهَى عن المنكرِ وتؤمنُ باللهِ، واختصَّهَا وشرّفَهَا بأفضلِ الأنبياءِ والرسلِ، محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ – عليه أفضلُ الصلاةِ وأزكَى التسليمِ-: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:68). واختصَّ سبحانَهُ هذه الأمةَ ببعضِ الأمكنةِ المقدسةِ، ففضلَ مكةَ على المدينةِ، والمدينةَ على القدسِ، والقدسَ على غيرِهِ من الأمكنةِ، بل وجعلَ أجرَ وثوابَ العبادةِ في مسجدِ مكةَ – البيتِ الحرامِ- أعظمَ أجرًا من الصلاةِ في المسجدِ النبويِّ، والمسجدَ النبويَّ أعظمَ أجراً من المسجدِ الأقصَى.. كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي هريرةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: “صلاةٌ في مسجدِي هذا خيرٌ من ألفِ صلاةٍ في ما سواه إلا المسجدَ الحرامَ، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ صلاةٍ في مسجدِي هذا)قال قتادةُ: إنَّ اللهَ اصطفَى صَفايَا مِن خلقِهِ، اصطفَى مِن الملائكةِ رُسلاً، ومِن النّاسِ رُسلاً، واصطفى مِن الكلامِ ذكرَه، واصطفى مِن الأرضِ المساجدَ، واصطفى مِن الشهورِ رمضانَ والأشهرَ الحُرمَ، واصطفى مِن الأيّامِ يومَ الجمعةِ، واصطفى مِن اللَّيالي ليلةَ القدرِ، فعظِّمُوا ما عظَّم اللهُ، فإنّمَا تعظَّمُ الأمورُ بما عظَّمَهَا اللهُ عندَ أهلِ الفهمِ والعقلِ.
فهو سبحانَهُ جلَّ شأنهُ اختصَّ هذه الأمةَ بأزمنةٍ مباركةٍ، منها: يومُ الجمعةِ، وليلةُ القدرِ، ورمضانُ، والأربعةُ الأشهرُ الحرمُ قال جلَّ وعلا{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة:36) .وفي الصحيحينِ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ رضى الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: (اختصَّ اللهُ أربعةَ أشهرٍ فجعلهنَّ حرامًا، وعَظّمَ حُرُماتِهنَّ، وجعلَ الذنبَ فيهنَّ أعظمَ، والعملَ الصالحَ والأجرَ أعظمَ))وقال كعبٌ رضي اللهُ عنه: (اختارَ اللهُ الزمانَ فأحبُّهُ إلى اللهِ الأشهرُ الحرمُ) و سميتْ هذه الأشهرُ بالأشهرِ الحرمِ لأمرينِ :الأولُ: أنَّ اللهَ تعالى حرمَ فيها القتالَ بينَ الناسِ ، يقولُ اللهُ جلَّ وعلا) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (البقرة:217) ، فدلَّ ذلك على أنَّهُ محرمٌ فيها القتال، وذلك مِن رحمةِ اللهِ تعالى بعبادِهِ حتى يسافرُوا فيها ويحجُّوا ويعتمرُوا. والثاني: لتعظيمِ انتهاكِ المحارمِ فيها بأشدَّ مِن تعظيمِهِ في غيرِهَا، ولتعظيمِ فيها الطاعات، ومن المعلومِ أنَّ العربَ كانتْ تحتالُ على هذه الأشهرِ الحرمِ، فتؤخرُ تحريمَ هذا الشهرِ إلى آخرٍ، وهذا هو النسيءُ الذي قال عنه ربُّنَا {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (التوبة:37).
و الأشهرُ الحرمُ هي: رجبُ وذو القعدةِ وذو الحجةِ وشهرُ اللهِ المحرم. وسببُ تحريمِ هذه الأشهرِ الأربعةِ عندَ العربِ لأجلِ التمكنِ من الحجِّ والعمرةِ فحُرِّمَ شهرُ ذي الحجةِ لوقوعِ الحجِّ فيه، وحُرِّمَ معه شهرُ ذي القعدةِ للسيرِ فيه إلى الحجِّ، وشهرُ المحرمِ للرجوعِ فيه من الحجِّ حتى يأمنَ الحاجُ على نفسهِ من حين الخروجِ من بيتهِ، إلى أنْ يرجعَ إليه، وحُرِّمَ شهرُ رجب؛ للاعتمارِ فيه في وسطِ السنةِ فيعتمرُ فيه مَن كان قريبًا من مكةَ.
الأشهرُ الحرمُ لها مكانةٌ مرموقةٌ وخصوصيةٌ كبيرةٌ في الإسلامِ، وكيف لا ؟ وهي أيامٌ مُعظمةٌ والثوابُ فيها مُضاعفٌ، فالعملُ الصالحُ فيها أكرمُ والذنبُ أعظمُ، وهي أيامٌ للانتقاءِ والاصطفاءِ وكيف لا ؟ واللهُ جلَّ وعلا إذا عظَّمَ مكانًا أو زمانًا، كانتْ المعصيةُ فيه أعظمَ إثمًا، والطاعةُ فيه أعظمَ أجرًا. فكلُّ زمانٍ أو مكانٍ حرمَهُ اللهُ، فالمعصيةُ فيه أعظمُ وأشنعٌ لذَا لما حرَّمَ اللهُ مكةَ وجعلَهَا حرمًا آمنًا، قال عن حرمِهَا: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج: 25]، فكذلك الأشهرُ الحرمُ، حتى لقد قال بعضُ الفقهاءِ: “إنّ الديةَ تُغلظُ في الشهرِ الحرامِ فالمعاصِي في الأشهرِ الحرمِ أعظمُ إثمًا وأشدُّ تحريمًا، كما أنّ أجورَ الحسناتِ مضاعفةٌ فيها: فإنْ كانتْ المعصيةُ قبيحةً في كلِّ وقتٍ فإنّها في هذه الأشهرِ أشدُّ قبحًا ، قال قتادةُ: “العملُ الصالحُ أعظمُ أجرًا في الأشهرِ الحرمِ، والظلمُ فيهن أعظمُ منه فيما سواهنَّ وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيمًا” قالَ سبحانَهُ ( فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم)(التوبة:36 ). قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: «تحفظُوا على أنفسِكُم فيها واجتنبُوا الخطايا، فإنّ الحسناتِ فيها تُضاعفُ والسيئاتِ فيها تُضاعفُ((وقال ابنُ كثيرٍ -رحمَهُ اللهُ-: ))كان الرجلُ يلقَى قاتلَ أبيهِ في الأشهُرِ الحرمِ فلا يمُدُّ إليه يدَهُ(( قال القرطبيُّ – رحمَ-هُ اللهُ – (( لا تظلمُوا فيهن أنفسَكُم بارتكابِ الذنوبِ).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيــــًا :واجبُنَا في الأشهرِ الحرمِ.
أيُّها السادةُ: شاءتْ حكمةُ اللهِ أنْ جعلَ لنا مواسمَ للخيراتِ، والطاعاتِ يتنافسُ فيها المتنافسون ،ويستغفرُ فيها المستغفرون ،ويتوبُ فيها المذنبون من هذه النفحاتِ الأشهرُ الحرمُ ،خصَّهَا اللهُ بطاعاتٍ وصيامٍ وحجٍّ وعمرةٍ دونَ غيرِهَا ،والواجبُ على المسلمِ أنْ يغتنمَهَا قبلَ فواتِ الأوانِ قبلَ أنْ يأتيَ يومٌ لا ينفعُ فيه الندمُ قبلَ أنْ يأتيَ يومٌ ( رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعلى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } ويأتي الجوابُ كالصاعقةِ (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ) (سورة المؤمنون) ،مِن هذه الواجباتِ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: تعظيمُ هذه الشهورِ لماذا؟ لأنَّ اللهَ عظمَهَا، ولأنَّهَا اجتمعتْ فيها شعائرُ الإسلامِ من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍّ وغيرِهَا، وتعظيمُ هذه الشعائرِ من تقوى القلوبِ، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (الحج: 32)ومِن تعظيمِهَا: تعظيمُ الحرماتِ وتركُ المنكراتِ والذنوبِ والمعاصِي والآثامِ قال ربُّنَا: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } (الحج: 30) وقافًا عندَ حدودِ اللهِ وفرائضِهِ وحرماتِهِ، قال – صلى اللهُ عليه وسلم -:« إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فلا تُضَيِّعُوها, وحَّدَ حُدُودًا فلا تَعْتَدُوها, وحَرَّمَ أَشْياءَ فلا تَنْتَهِكُوها, وسَكَتَ عن أَشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غيرَ نِسْيانٍ فلا تَبْحَثُوا عَنْها » أخرجه الحاكم وصححه.
ومِن تعظيمِهَا: الإقبالُ على اللهِ جلَّ وعلا ، فالإقبالُ على اللهِ أمرٌ ضروريٌّ بالنسبةِ للإنسانِ منَّا وليس أمرًا ضروريًا بالنسبةِ للهِ، فاللهُ غنيٌّ عن عبادتِنَا ،( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }[سورة فاطر : 15 -17] فاللهُ جلَّ وعلا لا تنفعُهُ طاعةُ الطائعِين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصينَ، إنَّمَا نَفعُ الطّاعةِ لفاعلِهَا، وضرَرُ المعصيَةِ لصاحبِهَا، قال اللهُ تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعلىهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [الجاثية:15] فأقبلْ على ربِّكَ وافتحْ صفحةً جديدةً مع اللهِ يفتحُ اللهُ لك جميعَ الصفحاتِ المغلقةِ واندمْ وتبْ إلي اللهِ واندمْ على ما فرطتَ في جنبِ اللهِ وأصلحْ ما بينكَ وبين اللهِ يصلحُ اللهُ ما بينكَ وبينَ العبادِ فما دمتَ في وقتِ المهلةِ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ، قال صلى اللهُ عليه وسلم : ) إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)(رواه مسلم). وفي روايةٍ للترمذيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) بل قال المختارُ صلى اللهُ عليه وسلم كما في صحيحِ مسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:“ أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى لَا أَدْرِي أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ) رواه مسلم وإياكَ وذنوبَ الخلواتِ فهي طريقُ الهلاكِ والدمارِ والخزيِ والعار.ِ فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :“لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ».قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ.قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ». (رواه ابن ماجه )
أحزانُ قلبِي لا تزول *** حتى أبشرَ بالقبولِ
وأرى كتابِي باليمن *** وتقرُّ عينِي بالرسولِ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكُم
الخطبةّ الثانيةُ من خطبة الجمعة القادمة
الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……………………وبعدُ
أيُّهَا السادةُ: الواجبُ على المسلمِ في هذه الأشهرِ الحرمِ أنْ يحرصَ على الطاعاتِ بجميعِ أنواعِهَا وخاصةً الصومُ مصداقًا لقولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم: « أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ » رواه مسلم.
ومِن الواجبِ على المسلمِ: اجتنابُ الظلمِ بجميعِ أنواعِهِ في هذه الأشهرِ لقولِهِ تعالى: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة:36) فالظلمُ في الأشهرِ الحرمِ أعظمُ خطيئةً ووزرًا من الظلمِ فيما سواهَا، وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيمًا، ولكنَّ اللهَ يعظمُ مِن أمرِهِ ما يشاءُ.
والظلمُ مرضٌ يعمِى البصيرةَ،ويضعفُ البدنَ ،ويوهنُ الدينَ، ويظلمُ القلبَ، ويقيدُ الجوارحَ عن طاعةِ اللهِ ، ولم لا؟ والظلمُ منبعُ الرذائلِ ،ومصدرُ الشرورِ، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعٌ لكلِّ شرٍ وتعاسةٍ ،والظلمُ بلاءٌ كبيرٌ في الدنيَا وخزيٌ وندامةٌ في الآخرةِ قال ربُّنَا : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ }سورة إبراهيم وعَنْ أبي ذر الغفاري رضي اللهُ عنه قال: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أنَّهُ قَالَ :{ يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا) رواه مسلم ،فاتقُوا الظلمَ فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ففي الحديثِ الذي رواه مسلمٌ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا *** فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنَاك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ *** يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنِمْ
فأسرعْ بالتوبةِ وردِّ المظالمِ إلى أهلِهَا قبلَ فواتِ الأوانِ ففي الحديثِ الذي رواه َالْبُخَارِيُّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ مِنْ قَبْلِ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري
فتبْ إلى ربِّكَ أيُّهَا الظالمُ واندمْ على ما فرطتَ في جنبِ اللهِ وقُلْ لنفسِكَ !!!
أينَ الظالمونَ بل أين التابعونَ لهُم *** في الغيِّ أين فرعونُ وهامانُ
أين مَن دوخُوا الدنيا بسطوتِهِم *** وذكرُهُم في الوري ظلمٌ وطغيانُ
هل أبقى الموتُ ذا عزٍ لعزتِهِ *** وهل نجا منه بالسلطانِ إنسانُ
كلَّا والذي خلقَ الأكوانَ من عدمٍ *** الكلُّ يفني فلا إنسٌ ولا جانُ
فانتبه يا هاتِكَ الحرماتِ لا تفعَلْ، يا واقعًا في الفواحشِ أما تستحِي وتخجَلْ؟! يا مبارزًا مولاكَ بالخطايا تمهَّلْ، فالكلامُ مكتوبٌ، والقولُ محسوبٌ، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار 9-12) فأفقْ من غفلتِكَ واغتنمْ الفرصةَ واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِكَ وصحتَكَ قبلَ سقمِكَ وشبابَكَ قبلَ هرمِكَ وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ
أيُّها المغترُ بطولِ الصحةِ !! أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ سقمٍ ؟ أيُّها المغترُ بطولِ المهلةِ!! أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ مهلةٍ ؟ أبالصحةِ تغترونَ !!أم بطولِ العافيةِ تمرحون !! رحمَ اللهُ عبدًا عَمِلَ لساعةِ الموتِ!! رحمَ اللهُ عبدًا عملَ لمَا بعدَ الموتِ!!
ما في الحياةِ بقاءٌ *** ما في الحياةِ ثُبوتُ
نبنِي البيوتَ وحتمًا *** تنهارُ تلكَ البيوتُ
تموتُ كلُّ البرايَا *** سبحانَ مَن لا يموتُ
كتبه العبدُ الفقيرُ إلى عفوِ ربِّهِ
د/ محمد حرز
إمامٌ بوزارةِ الأوقافِ
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف